التاريخ -الوضع البشري

التاريخ   -الوضع البشري
دور الانسان في التاريخ
التاريخ وفكرة التقدم
المعرفة التاريخية
- لعل من بين ابرز الاشكالات التي تواجه المؤرخين والابستيمولوجيين هي تلك المتعلقة بدور الانسان في التاريخ فما هو دور الانسان في التاريخ. بعبارة اخرى هل التاريخ من صنع الإنسان ام ان الانسان  من صنع التاريخ؟
لقد اختلفت التصورات الفلسفية والابستيمولوجية في اجابتها عن هذا السؤال فبالرجوع الى الفلسفة الماركسية نجدها  تقر بقدرة الانسان على صنع التاريخ لكنها قدرة مشروطة بشروط مادية وحيثيات اقتصادية واجتماعية خارج ارادة الانسان نفسه فالتاريخ حسب ماركس يسير وفق حتمية تتمثل في الصراع الطبقي هذه الحتمية التي تعتبر محركا للتاريخ وصانع للاحداث ومشكلا للمجتمعات.
* في ذات السياق ينخرط الفيلسوف الوجودي "جون بول سارتر"الذي حاول المزاوجة بين قناعاته الوجودية وميولاته الماركسية اذ اعتبر الانسان يمتلك القدرة على صنع التاريخ ما دام يتحدد بالحرية والاختيار والمسؤولية فالتاريخ اذن هو من صناعة الممارسة الانسانية.
* وبخلاف هذا يبني "مكيافلي" تصوره حول مجرى التاريخ بالقول ان التاريخ حصيلة القضاء والقدرة ولادخل للانسان في صناعته.
- من بين أهم الإشكالات الابستيمولوجية  التي تعترضنا في حديثنا عن التاريخ تلك المتعلقة بفكرة التقدم في التاريخ اذ يطرح السؤال التالي كيف يتقدم التاريخ ؟ بعبارة اخرى كيف تتحقق صيرورة التاريخ هل عبر خط متصل متصاعد ننتقل فيه من الادنى الى الأعلى ام ان التاريخ يحقق تقدمه عبر خط لا متصل ولا مستمر أي عبر وثبات وقفزات وطفرات.
* يندرج تصور السوسيولوجي الفرنسي "ريمون ارون" ضمن الموقف الابستيمولوجي الاتصالي اذ يؤسس تصوره حول فكرة التقدم للتاريخ انطلاقا من اعتبار ان التاريخ يتقدم بوثيرة متصاعدة وذلك عبر خط كرونولوجي متسلسل ومتصل ويستدل على فرضيته هذه بالرجوع الى تقدم الحضارات والمجتمعات وكذا تقدم منظومة المعرفة الانسانية او المعرفة العلمية على وجه التحديد هذه هي التي تحقق تقدمها انطلاقا من تراكماتها اذن وتأسيسا على هذا القةل يمكن ان نخلص مع الموقف الاتصالي بأن التاريخ يتقدم صعودا من الادنا الى الاعلى .
* وهذا مايخص الموقف الاتصالي اما مايخص الموقف الانفصالي ويندرج له التصور الانطربولوجي  للفرنسي "كلود ليفي ستروس"ضمن الموقف الانفصالي الاستمراري .بحيث يعتبر بأن التاريخ لايتقدم وفق وثيرة متصلة ومستمرة بل انه يتقدم عبر جمل من الطفرات والقفزات وهكذا فحتى المعرفة العلمية لا تعرف في تطورها  نوعا من التراكم من الادنى الى الاعلى بل ان المعرفة التاريخية تتقدم من خلال جملة من القطائع الابستيمولوجية هكذا اذن فالتاريخ لايعرف تواصلا مسترسلا بل يعرف في تقدمة صعودا ونزولا تقدما وتأخرا.
- بناءا على ما تقدم يمكننا ان نخلص الى ان فكرة التقدم في التاريخ راوحت مكانها بين موقفين ابستيمولوجيين متبايننين هما الموقف الاتصالي والموقف الانفصالى.  
-  إذا كان التاريخ هو تلك المعرفة المرتبطة بالماضي الإنساني,فان السؤال ظل قائما حول علمية المعرفة التاريخية.فهل التاريخ علم من العلوم الإنسانية؟ وهل تتوفر فيه شروط المعرفة العلمية المتمثلة في الموضوعية والنزاهة والدقة لا يعدو ان يكون مجرد معرفة اديولوجية تغذي احلام الشعوب وبالتالي فهو لايعدو ان يكون مجرد معرفة اقرب الى الخيال والادب؟ لقد اثارت هذه التساؤلات اشكالية تضعنا امام مذاهب وأطروحات فلسفية وابستيمولوجية متفاوتة.
*  في هذا الاطار نجد المؤرخ الفرنسي "هنري مارو" يؤسس تصوره حول المعرفة التاريخية باعتبارها معرفة علمية اذ يعرف لنا التاريخ بقوله ( التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي) ويحيلنا هذا التعريف بأن التاريخ هو معرفة علمية حول الماضي.فهو اذن ليس سردا للماضي او عملا ادبيا هدفه اعادة حكي الماضي كما ان التاريخ هو معرفة وليس بحثا او دراسة كما يراها البعض تبعا فالتاريخ هو تلك المعرفة العلمية الدقيقة والمنظمة والصحيحة والحقيقة المكونة عن الماضي الانساني فهو اذن معرفة تتعارض مع الطوباوية .
*  في نفس السياق يؤسس السوسيولوجي "ريمون آرون" تصوره حول المعرفة التاريخية اذ يعتبرها بعيدة كل البعد عن الانساق الطوباوية والخيالية التي ينشأها الفلاسفة المثاليون .فالتاريخ لايرتبط بالاوهام بل هو معرفة ترتبط بماضي الانسان.وهكذا يقترح ريمون ارون ان تأسيس المعرفة التاريخية على اسس علمية دقيقة وهي اسس تمكن من اعادة بناء الحدث التاريخي بناءا علميا مادام التاريخ هو في اساسه معرفة بالماضي وعليه فالتاريخ حسب ريمون ارون ليس مجرد تجميع وتكديس لاخبار الماضي بل هو ذلك  العلم المهتم بالمجتمعات البشرية.
* يظل السؤال الابستيمولوجي قائما حول علمية المعرفة التاريخية فهذا الفيلسوف والابستيمولوجي الفرنسي "غرانجي" يرى بأن التاريخ لا يرقى الى مستوى العلوم الانسانية كعلم النفس او علم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم اللغة .انه مجرد خليط من كل هذه العلوم وبهذا تنتفي عنه صفة العلمية فهو لا يشكل علما انسانيا قائما بذته او بمضوعه او بمنهجه انه مجرد معرفة قريبة من الادب تمبل الى الخيال وتستغرق في الاديولوجيا .
- اعتبارا مما سبق يمكننا ان نخلص الى القول بأن السؤال حول التاريخ هو سؤال ابستيمولوجي وسع التصورات الفلسفية والعلمية حوله وهذا ما يجعل من المعرفة التاريخية معرفة تراوح مكانها بين العلم والأدب والخيال والأسطورة و الايدولوجيا .