درس الإنسان

 
                                  الإنسان
                                                                                             
يعتبر موضوع الإنسان محور اهتمام الفلسفة، إذ تناولت مند بدايتها مع الإغريق، و تنوعت طرق دراسته و مجال بحثه، يمكن تحديد الظروف المتدخلة في تحديد حقيقة الإنسان إلى بُعدين، أولهما بعد موضوعي و يتجلى في مجموعة من الإكراهات و الحتميات و الضغوطات التي تفرض على الإنسان، و منها خضوعه لقوانين الطبيعة ثم سيادة قوانين المجتمع و أعرافه و تقاليده عليه ثم كونه كائن فان. أما البعد الثاني فهو ذاتي يرتبط أساسا بجانب الحرية و التفكير اللذين يتمتع بهما الإنسان، و من خلالهما يستطيع الإنسان أن يختار سلوكاته و يغير من وجوده، وما دام الإنسان يوجد داخل مجتمع فينبغي أولا تحديد حقيقة هذا الإنسان و توضيح الأساس الذي تنبني عليه، كما ينبغي تحديد علاقة الأنا بالغير على مستوى المعرفة و الوجود، و أخيرا ينبغي تحديد تصور الإنسان للتاريخ و مراجعة المعارف التاريخية و الأسس التي تنبني عليها بهدف تكوين معرفة حقيقية.   
 
الشخص
يعتبر مفهوم الشخص من المفاهيم التي حضية باهتمام العديد من الفلاسفة و المفكرين و العلماء من مجالات معرفية متعددة منها : علم النفس، علم الاجتماع، القانون، الأخلاق، الفلسفة...لذلك يطرح إشكالات صعبة مرتبطة بحقيقة الإنسان و ما يتعلق بها من قيمته و مصيره و حريته.
"باسكال" التأمل العقلي بمثابة الوسيلة الوحيدة التي يمكن اعتمادها في معرفة حقيقة الإنسان.
الشخص والهوية
"جون لوك"  إن الإدراك الحسي أساسي في الوصول إلى حقيقة الشخص، وبالتالي شخص الإنسان وهويته تنبني على مسألة الشعور.
"شوبنهاور" إن هوية الشخص تتأسس على الإرادة، واختلاف الناس يرجع أساسا إلى اختلاف إراداتهم.    
الشخص بوصفه قيمة
"كانط" يعتبر أن قيمة الشخص تنبع من امتلاكه للعقل هذا الأخير الذي يعطي للإنسان كرامته ويسمو به، إنه يُشرع مبدأ الواجب الأخلاقي.
"غوسدورف" قيمة الشخص تتحدد داخل المجتمع لا خارجه،فالشخص الأخلاقي لا يتحقق بالعزلة والتعارض مع الآخرين بل العكس.
الشخص بين الضرورة والحرية
"ج. ب. سارتر" حقيقة الإنسان تنبني أساسا على الحرية، فحقيقة الإنسان بمثابة مشروع يعمل كل فرد على تجديده من خلال تجاربه واختياراته و سلوكاته وعلاقاته بالآخرين.
"إمانويل مونيي" حرية الإنسان ليست مطلقة، وشرط التحرر من الضغوطات هو تحقيق وعي بالوضعية، والعمل قدر الإمكان على التحرر من الضغوطات.
 
الغير
إن مفهوم الغير اتخذ في التمثل الشائع معنى تنحصر دلالته في الآخر المتميز عن الأنا الفردية أو الجماعية (نحن). ولعل أسباب هذا التميز إما مادية جسمية، وإما أثنية (عرقية) أو حضارية، أو فروقا اجتماعية أو طبقية، ومن هذا المنطلق، ندرك أن مفهوم الغير في الاصطلاح الشائع يتحدد بالسلب، لأنه يشير إلى ذلك الغير الذي يختلف عن الأنا ويتميز عنها، ومن ثمة يمكن أن تتخذ منه الذات مواقف، بعضها إيجابي كالتآخي، والصداقة وما إلى ذلك، وأخرى سلبية كاللامبالاة، والعداء... تطرح معرفة الغير إشكالات فلسفية اختلفت إجابات الفلاسفة فيها، و من أهم هذه الإشكالات سنقف عند إمكانية معرفة الغير كذات واعية. و هو إشكال يتعلق أساسا بإعطاء قيمة لهذا الإنسان الذي نحاول معرفته، أما الإشكال الثاني فيتعلق بمنهجية التعرف على الغير.
وجود الغير:
"مارتن هايدغر" وجود الغير مهدد لوجود الذات ما دام يحرمها من خصوصياتها، والغير مفهوم قابل لكي يطلق على كل إنسان.
"ج. ب. سارتر" وجود الغير يهدد الذات من جهة وضروري لها من جهة أخرى، إن نظرة الغير إلينا تحرمنا من هذه الحرية وتجعلنا مجرد شيء أو عَبْدٍ.
معرفة الغير:
"إدموند هوسرل" معرفة الغير ممكنة ما دام جزءا من العالم الذي أعيش فيه، وما أعرفه من الغير هو المستوى الذي يشاركني و يشابهني فيه.
"غاستون بيرجي" تتأسس حقيقة الإنسان على تجربته وعلى إحساساته الداخلية، إن هناك فاصلا بين الذات والغير يستحيل معه التعرف على حقيقة هذا الغير.
العلاقة مع الغير:
"إمانويل كانط" الصداقة هي النموذج المثالي للعلاقة مع الغير، و مبدأ الواجب الأخلاقي يفرض على الإنسان الالتزام بمبادئ فاضلة وتوجيه إرادته نحو الخير دائما.
"أوغست كونت" إن الغيرية باعتبارها نكران للذات وتضحية من أجل الأخر هي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف و المحبة بين الناس.
 
التاريخ
يعتبر مفهوم التاريخ من الموضوعات التي تهتم بالإنسان وذلك بهدف تخليد تجاربه و معارفه، و لقد بدأ الاهتمام بكتابة التاريخ منذ العصور القديمة. غير أن البحث في مجال التاريخ يطرح إشكالات متعددة، يتعلق أولها بالوصول إلى المعرفة التاريخية من خلال اعتماد مناهج دقيقة و محاولة تحري الصدق و الوصول إلى اليقين، غير أن الحقيقة اليقينية في المعرفة التاريخية يصعب الوصول إليها، وذلك بسب(تدخل ذاتية المؤرخ، وقلة الآثار والوثائق المعتمدة وكون الواقعة التاريخية غير قابلة للتكرار)، أما الإشكال الثاني فيتعلق بدور الإنسان في التاريخ، ويتجلى الإشكال الثالث في تحديد أهمية المعرفة التاريخية الماضية بالنسبة للحاضر و المستقبل.
المعرفة التاريخية
"بول ريكور" كتابة التاريخ مسالة صعبة، فمعرفتنا بالتاريخ لا تعد حقيقة مطلقة بل هي معرفة نسبية غير أنها ومع ذلك تعد معرفة علمية موضوعية.
"ريمون ارون" معرفة الإنسان بالتاريخ عملية صعبة ما دامت تعتمد على استخراج دلالة الوثائق والمعطيات والآثار المنتسبة إلى الماضي، فالمؤرخ مطالب بالتزام الموضوعية وأن يعيش على المستوى الذهني في اللحظة التاريخية التي يريد أن يدرسها.
التاريخ و فكرة التقدم
"ك. ماركس" يتقدم التاريخ نحو الأفضل بفعل التناقض بين الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع جديد وبالتالي تاريخ جديد.
"م.م. بونتي " تسلسل أحداث التاريخ يجعلها خاضعة لمنطق يتصف بكونه منفتحا على احتمالات جديدة، ولهذا لا يمكن الحكم على التاريخ لأنه خاضع لمبدأ السببية الحتمية.
دور التاريخ في التقدم
"ف. هيغل" ليس الانسان سوى وسيلة في يد التاريخ، إن التاريخ بمكره يوهمه أنه صانع التاريخ غير انه لا ينفد سوى ارادة التاريخ وفق مسار الروح المطلق .
"ج.ب. سارتر"   الإنسان صانع التاريخ بفضل ما يتمتع به من الحرية والوعي و القدرة على الاختيار بين إمكانات متعددة، وصناعة التاريخ تستوجب استحضار الوعي و المسؤولية .