الدولة _السياسة

الدولة                               _السياسة
الدولة بين الحق والعنف
طبيعة السلطة السياسية
مشروعية الدولة وغاياتها
تشتغل الدولة عبر عدة مؤسسات واجهزة لفرض السلطة والنظام العام بهدف الحفاظ على الامن والسلم والتعايش داخل المجتمع. لكن كيف تمارس الدولة سلطتها ؟ هل انطلاقا من الترهيب والتخويف . ام انطلاقا من العنف اللازم والضروري لبسط سيادة الدولة ؟ وهو مايسمى العنف المشروع ؟
* يندرج "ماكس فيبر" ضمن تصور السوسيولوجيا السياسية وهو تصور يسعى الى مقاربة اشكالية الدولة بين الحق والعنف .حيث ينطلق " فيبر" من مقولة ماركسية مفادها "كل دولة تنبني على القوة " فتبعا لهذا نجد الدولة تستمد سلطتها من القوة التي تمارسها بهدف بسط هيبتها وسيطرتها لاجل الحفاض على النظام العام والاستقرار الاجتماعي حيث تشكل هذة القوة حكرا على الدولة وهذا ما دفع " فيبر" الى ان ينعتها ب "العنف المشروع" فهو عنف تمارسه الدولة باسم القانون هكذا اذن تستمد الدولة سلطتها من القوة والعنف والتسلط الا انه عنف مشروع يمارس بأسم  القانون.
* تنخرط الباحثة الفرنسية "جاكلين روس" في السجال المتعلق باشكالية الدولة بين الحق والعنف ، وفي هذا الاطار نجدها تميز بين نوعين من الدول : فهناك الدولة التقليدية وهناك الدولة العصرية.
تتميز الدولة التقليدية بطبيعتها الاستبدادية ، فهي دولة مطلقة وشمولية تختزل كل السلط في يد واحدة وهذا ما يجعل منها دولة مستبدة تمارس العنف والقهر على مواطنيها الذين يتحولون الى مجرد رعايا ووسائل في خدمة الدولة .بخلاف هذا تتحدد الدولة العصرية بطبيعتها الديموقراطية فهي دولة الحق والقانون انها تستمد مشروعيتها من الحق والقانون وذالك من خلال الفصل بين السلط  و عبر احترام مواطنيها باعتبارهم ذوات عاقلة وأخلاقية. ان دولة الحق والقانون تنظر للمواطن كغاية في ذاته وبهذا تتحول الدولة إلى وسيلة لخدمة المواطنين .
* ينتهي الفيلسوف الفرنسي " بول ريكور" في تصوره لاشكالية الدولة بين الحق والعنف الى اعتبار ان الدولة هي تركيب تاريخي وعقلاني انها تنطوي في ذاتها على مفاهيم العنف والقوة والسلطة ومفاهيم الحق والحرية والقانون فالدولة كمعطى تاريخي جسدت اشكال القهر والعنف والاستبداد وعبر هذه الوسائل ارسلت هياكلها غير ان الدولة لاتشكل فقط معطى تاريخي للقهر والعنف انها كذلك عقلاني تقوم بتربية المواطن تربية اساسها الحرية والحق والقانون فالدولة في هذا المستوى تنظر إلى المواطن ككائن عاقل قادر على استيعاب مبادئها المتمثلة في الحق والحرية القانون وعليه فالدولة حسب بول ريكور هي تركيب تاريخي وعقلاني ينطوي في ذاته على العنف والحق والقوة والقانون المتسلط والحرية .

ان الحدبت عن الدولة يدعونا الى التساؤل عن طبيعتها و عن طبيعة السلطة السياسية داختها.فما هي طبيعة السلطة السياسية؟ هل تستمد من السلطة التشريعية؟ ام التنفيدية؟.
*" بندرج جون لوك" ضمن فلاسفة العقد الاجتماعي شانه في ذلك شأن توماس هوبز ثم جون جاك روسو فقد بنا تصوره للدولة والسلطة والسياسة اعتمادا على  مرورية العقد الاجتماعي .تنشأ الدولة حسب "جون لوك" انطلاقا من تعاقدات اجتماعية تعبر عن إرادة الأغلبية  واذا كانت الدولة تنشأ عبر هذا التعاقب الاجتماعي الذي يتنازل فيه الافراد عن جزء من حريتهم وقسط من قوتهم لصالح الدولة التي تتمثل في حكومة شرعية تمارس السلطة السياسية.
* يندرج تصور "مونتسكيو" ضمن تصورات فلاسفة الانوار حول الدولة و السلطة السياسية.فاذا كانت الدولة هي الاطار القانوني للمجتمع المدني السياسي فعليها ان تحافض على توازن المجتمع من خلال الفصل بين السلط التي يختزنها" مونتسكيو" في ثلات انواع من السلط هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية المتعلقة بحقوق الناس والسلطة التنفيذية المتعلقة بالحق المدني .فاذا كانت السلطة التشريعية تسهر على سن القوانين او التشريعات فان السلطة التنفيذية من وضيفتها السهر على احترام الحقوق والحريات وذلك وفق مبدأ سياسي يثمثل في الفصل بين السلط حتى لايتحول الحاكم الى مشروع وقاضي الى منفذ.فمتى اجتمعت هذه السلط في يد واحدة او هيئة واحدة كان مآلها الضياع وانقلبت الى استبداد .
* يندرج عالم الاجتماع الفرنسي "آلان  تورين " ضمن التصور السسيولوجي المعاصر الذي ينتقد طبيعة السلطة السياسية اذ يعتبر ان مفهوم الديمقراطية لايقف عند مستوى الشعارات التي تخفي ورائها نظما سياسية كليانية تتسم بالشمولية والقمع والتسلط ومصادرة حقوق الناس والغاء حريتهم فالديموقراطية الحقيقية هي التي تتجرد من الشعارات الفضفاضة لتكرس سياستها لخدمة الحقوق الثقافية والمدنية والاجتماعية للمواطنين فالديموقراطية الحقيقية تنهض المبادئ التالية :
 - الاعتراف بالحقوق الاساسية التي ينبغي احترامها .
- الاعتراف بالتمثيلية الشرعية والسياسية للمواطنين.
- الاعتراف بحقوق المواطنة التي هي تعبير عن الحقوق الاجتماعية .
بهذا فقط يمكن الحديث عن مفهوم صحيح للديموقراطية بعيدا عن السلطة السياسية الكليانية المتمثلة في الحزب الواحد والقائم على السطة المطلقة والاستبداد .
 إن الحديث عن الدولة يدعونا بالضرورة إلى الحديث عن طبيعتها .فما هي طبيعة الدولة ومن أين تستمد مشروعيتها ؟ وما هي غاياتها ؟
* يؤسس " جون لوك " تصوره لاشكالية مشروعية الدولة من خلال اعتبار ان تلك المشروعية لاتستمد من أي سلطة خارجية كما قد يعتقد في نظرية الحق الالاهي التي ترى بأن مشروعية الحاكم تستمد من تفويض الاهي . ان مشروعية الدولة حسب جون لوك ومن خلال فلسفة العقد الاجتماعي ل " جون لوك + توماس هوبز + جون جاك روسو " تنظر الى ان مشروعية الدولة تستمد من حشد الناس اليها وذلك بدافع من ضرورة حماية من الناس وسلامتهم وحرياتهم وممتلكاتهم.وهكذا اذن تستمد الدولة مشروعيتها من حاجة داخلية اليها.
* ينخرط الفيلسوف الهولندي "سبينوزا" في هذا السجال المتعلق بمشروعية الدولة وغاياتها اذ يرى " ان الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة او ارهاب الناس ... فالغاية الحقيقية من قيم الدولة هي الحرية " نفهم من هذا الكلام ان الطبيعة الانسانية تتحدد بالحرية وعليه يتوجب على الدولة ان نجعل من غاياتها الحفاض على هذة الحرية وذلك بتطويرها وجعلها متلائمة مع مقتضيات العقل فالحرية التي يتحدث عنها " سبنوزا " ليست الحرية الطبيعية المطلقة العمياء والمتوحشة بل الحرية الاخلاقية التي لاتتعارض مع قوانين العقل والاخلاق فهذه هي الحرية التي تشكل غاية الدولة .
* ينظم الفيلسوف الالماني " هيجل " الى هذا الجدال حول طبيعة الدولة فيرى ان دور الدولة و وضيفتها لايتوقفان عن الحماية والامن كما لايجسدان  فرض السيادة على العنف و القمع والاكراه بل ان وضيفة الدولة تتمثل في اشاعة القيم الروحية والمبادئ العقلية وهي قيم عليا  ومبادئ سياسية بالنسبة للمجتمع وذالك حتى يتمكن الانسان من الشعور بإنسانيتها تبعا لهذا نجد "هيجل" ينظر للدولة كروح موضوعية انها روح الشعب التي يتشبع بها الفرد ويستمد منها اخلاقه وسلوكاته فالدولة اذن هي تعبير عن الاخلاق والارادة العامة والروح العامة للافراد وهي روح تشعر الانسان بخصوصيته وطبيعته الانسانية .